الحديث المرفوع في الإسلام

عنوان المقال: الحديث المرفوع في الإسلام

تمهيد

الحديث المرفوع هو أحد أنواع الحديث النبوي الذي احتل مكانة رفيعة في العلوم الشرعية، لا سيما في علم الحديث، كونه يمثل الوسيلة الأساسية لمعرفة ما نُسب إلى النبي محمد ﷺ من أقوال وأفعال وتقريرات وصفات. ويتفرع علم الحديث إلى تصنيفات دقيقة تُظهر مدى عناية العلماء بتحري الدقة في نسبة الروايات، ومن بين هذه التصنيفات المهمة نجد “الحديث المرفوع”، الذي يتميز بخصوصية جوهرية في ارتباطه المباشر بشخص النبي ﷺ، مما يمنحه مصداقية أعلى مقارنة بأنواع أخرى من الأخبار الدينية.

تعريف الحديث المرفوع

الحديث المرفوع هو ما أُضيف إلى النبي محمد ﷺ من قول أو فعل أو تقرير أو صفة، سواء أكان الإسناد متصلاً أو منقطعاً، وسواء رواه الصحابي مباشرة أو من دونه، بشرط أن تكون الإضافة منسوبة إليه ﷺ. وهذا بخلاف الحديث الموقوف، الذي ينسب إلى الصحابي، أو الحديث المقطوع، الذي ينسب إلى التابعي أو من دونه.

مثال على الحديث المرفوع: ما رواه الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى». فهذا حديث مرفوع لأن فيه تصريحاً بقول النبي ﷺ.

أنواع الحديث المرفوع

ينقسم الحديث المرفوع بحسب كيفية إضافته إلى النبي ﷺ إلى عدة أقسام، وكل منها يتسم بخصائص فنية ودلالية مميزة:

1. المرفوع القولي

هو ما نُقل عن النبي ﷺ من أقوال، مثل الأحاديث التي تبدأ بـ “قال رسول الله ﷺ”، أو “سمعت النبي ﷺ يقول…”. ويُعد هذا النوع أكثر الأنواع شيوعاً في دواوين الحديث كالصحيحين والسنن.

2. المرفوع الفعلي

هو ما نُقل عن النبي ﷺ من أفعال، مثل كيفية صلاته، صيامه، حجّه، تعامله مع أصحابه، وغير ذلك. ومثال ذلك: ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن صفة حج النبي ﷺ.

3. المرفوع التقريري

هو ما فعله الصحابي أو قاله، فسكت عنه النبي ﷺ ولم يُنكره، فكان ذلك بمثابة إقرار له. وقد اعتبره العلماء نوعاً من التشريع الضمني. مثل قصة أكل الضب على مائدة النبي ﷺ وعدم أكله منه أو إنكاره على من أكله.

4. المرفوع الوصفي

هو ما ورد من وصف خلقي أو خُلقي للنبي ﷺ، كقول الصحابي: “كان رسول الله ﷺ أحسن الناس وجهاً”، أو “كان لا يضحك إلا تبسماً”. وهو نوع مهم في توثيق السيرة الذاتية للنبي ﷺ.

صيغ الحديث المرفوع

للعلماء طرق دقيقة في بيان الصيغ التي تُستعمل لنقل الحديث المرفوع، وقد تنبه لها أهل الدراية والفهم الدقيق في علم الحديث، ومن أبرز هذه الصيغ:

أهمية الحديث المرفوع

الحديث المرفوع يحتل منزلة عليا في علم الحديث والفقه الإسلامي للأسباب التالية:

1. المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن

فالحديث المرفوع هو كلام النبي ﷺ أو فعله، والنبي لا ينطق عن الهوى، كما جاء في قوله تعالى: ﴿وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى﴾. ولهذا، فالحديث المرفوع تشريع يُستدل به على الأحكام الفقهية والعقدية والسلوكية.

2. بيان وتفصيل لما ورد مجملاً في القرآن

فكثير من تفاصيل الصلاة، الزكاة، والحج، وغيرها من العبادات، لم ترد إلا في الحديث المرفوع، مما يجعله ضرورياً لفهم الدين.

3. مصدر أساسي في العقيدة

فما ورد من صفات الله، وأسماءه الحسنى، وأحداث اليوم الآخر، كثير منها مبني على أحاديث مرفوعة، ولهذا يدخل الحديث المرفوع في صلب العقيدة الإسلامية.

ضوابط قبول الحديث المرفوع

رغم أن الحديث المرفوع له مكانة عالية، إلا أن قبوله لا يكون إلا بشروط تتعلق بالإسناد والمتن. وقد وضع علماء الحديث ضوابط دقيقة لقبول الرواية المرفوعة، منها:

1. اتصال السند

يجب أن يكون الإسناد متصلاً من الراوي إلى النبي ﷺ دون انقطاع.

2. عدالة الرواة وضبطهم

ينبغي أن يكون كل راوٍ في السند معروفًا بالعدالة والضبط، لأن الحديث النبوي لا يقبل إلا من ثقة.

3. عدم الشذوذ والعلة

أن لا يكون الحديث شاذاً يخالف رواية من هو أوثق، وأن لا يكون فيه علة خفية تؤثر في صحته.

الفرق بين المرفوع والموقوف والمقطوع

فإذا قال الراوي: “قال رسول الله ﷺ…” فهو مرفوع، وإذا قال: “قال ابن مسعود…” فهو موقوف، وإذا قال: “قال سعيد بن المسيب…” فهو مقطوع.

أمثلة شهيرة من الأحاديث المرفوعة

• عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «من لا يشكر الناس لا يشكر الله».

• عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي ﷺ «كان إذا دخل العشر – أي العشر الأواخر من رمضان – شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله».

كل هذه الأحاديث تعد مرفوعة لكونها منسوبة مباشرة إلى النبي ﷺ، سواء كانت أقوالاً أو أفعالاً أو صفات.

تطبيقات المحدثين في تصنيف الحديث المرفوع

اعتمد المحدثون تصنيفات دقيقة في كتبهم لتوضيح نوع الحديث، ومن أهم من تناول الحديث المرفوع في مؤلفاته الإمام البخاري، الإمام مسلم، الإمام أحمد في مسنده، والبيهقي في السنن الكبرى. وحرصوا على التمييز بين الروايات المرفوعة وغير المرفوعة لإظهار ما هو من كلام النبي ﷺ بشكل واضح، مما ساهم في الحفاظ على نقاء السنة النبوية.

الحديث المرفوع في ضوء منهج المحدثين المتقدمين

قد يروي الصحابي قولًا أو فعلاً لم يصرّح فيه بأنه من النبي ﷺ، لكن توجد قرائن تؤكد أنه مرفوع، مثل:

• إذا قال الصحابي: “أمرنا بكذا”، أو “نهينا عن كذا”، وخصوصًا إذا لم يكن مجال الاجتهاد.

• إذا نقل الصحابي خبرًا عن أمور الغيب التي لا مجال للاجتهاد فيها.

وقد اعتبر كثير من العلماء مثل هذه الروايات في حكم المرفوع حكماً، وليس لفظاً.

الحديث المرفوع في علم أصول الفقه

في علم أصول الفقه، يُعتبر الحديث المرفوع المصدر الثاني في ترتيب الأدلة الشرعية بعد القرآن الكريم. ويُصنف الحديث المرفوع ضمن السنة النبوية، ويُستدل به في كل أبواب الفقه: من الطهارة إلى المعاملات، ومن الجهاد إلى الأحوال الشخصية.

مكانة الحديث المرفوع في العقيدة الإسلامية

أحاديث العقيدة، خاصة تلك المتعلقة بالإيمان باليوم الآخر، الإيمان بالملائكة، والقدر خيره وشره، تُنقل غالباً بصيغة الحديث المرفوع. ولا يُعتد في مسائل الاعتقاد إلا بما ثبت رفعه إلى النبي ﷺ مع تحقق الشروط الأخرى من صحة وثبوت.

خاتمة

الحديث المرفوع يشكل العمود الفقري لما يعرف بالسنة النبوية الشريفة، وهو السبيل الأوثق إلى معرفة تشريعات الإسلام في جوانب الحياة كافة. ومن خلاله تكتمل صورة الدين الإسلامي كما أنزله الله تعالى على خاتم الأنبياء والمرسلين ﷺ، ولهذا فإن العناية بهذا النوع من الحديث واجبة على كل طالب علم وكل باحث في الشريعة.

المراجع:

1. ابن الصلاح، مقدمة في علوم الحديث

2. النووي، شرح صحيح مسلم